top of page
MeryemBrahimiIcon.png

كيف يثير التنافس الأمريكي الصيني اضطراباً في قارة آسيا؟



شهد العالم مؤخراً اضطرابات خطيرة في علاقات القوى الكبرى؛ تحديداً الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على صراعات جديدة و أخرى كامنة في قارة آسيا، التي كانت تعتبر مستقبل الاستثمار العالمي بسبب الاستقرار الذي تشهده مقارنة بافريقيا.


كيف بدأ الصراع؟

أدى نشر الصواريخ الصينية دي اف ٢٦ - بسبب الشعور بالتهديد الأمريكي لمصالحها الإقليمية - إلى الدخول في سباق وتنافس بين البلدين تُمثل آسيا مسرحاً له، الأمر الذي أثار بعض الأزمات بين دول القارة، حيث بدأت أطرافٌ متحالفة مع كلتا القوتين محاولة استغلال هذا التوتر لتمرير أجنداتها الإقليمية على غرار إيران.

من بين أهم الأزمات التي ازدادت حدة مع هذا التوتر؛ نشير إلى كل من أزمتي هونج كونج، وتجدد الصراع الهندي الباكستاني حول كشمير، وكذلك تحركات تركيا في سورية ومحاولة السيطرة بالكامل على جزء مهم من شمال البلاد، إضافة إلي التطورات الاخيرة في اليمن وعمليات تخريب ناقلات النفط في الخليج العربي وبحر عمان.

يشير الوضع العالمي إلى أن هناك تراكماً وتسارعاً للأحداث قد يؤدي إلى مواجهات عسكرية محدودة النطاق في آسيا والشرق الأوسط بالتزامن مع التوتر في العلاقات الأمريكية الصينية، نسرد أبرزها فيما يلي:


١- توتر العلاقات الأمريكية الصينية

شهدت العلاقات الأمريكية الصينية توتراً كبيراً بسبب ما عُرف بالحرب التجارية بين البلدين، لتزداد الأوضاع حدة بعد أن قامت الصين بنشر صواريح دي اف ٢٦ شمال غرب البلاد بالقرب من الحدود مع روسيا - رداً على المناورات العسكرية الأمريكية ودخول سفينة حربية أمريكية إلى مياه الصين الإقليمية – يصل مدى هذه الصواريخ الى ٣٠٠٠- ٤٠٠٠ كلم، حيث تعد طويلة ومتوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية وبلوغ قاعدة "غوام" الأمريكية.

لهذا النوع من الصواريخ قدرات عالية للاستهداف البري والبحري وتدمير السفن البحرية الكبيرة والمتوسطة. الأمر الذي تحاول الولايات المتحدة التصدي له في ظل تزايد قدرات الردع الصينية الجديدة في آسيا.

لذا بادرت الولايات المتحدة بخطوة الانسحاب من معاهدة الانتشار النووي التي وقعتها مع روسيا عام ١٩٨٧، وذلك لتستعيد القدرة على استخدام الصواريح النووية متوسطة المدى التي مُنعت بموجب هذه المعاهدة - التي لم توقع عليها الصين – ولكي تتمكن في الوقت ذاته من نشرها في مجال مقارب للانتشار الصيني.


٢- أزمة هونج كونج

ربط الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" اتفاق التجارة مع الصين بحل مشكلة هونج كونج، كمحاولة للضغط على الصين باستغلال احتجاجات المدينة التي تتمتع بالحكم الذاتي منذ عودتها للصين عام ١٩٩٧. الاحتجاجات التي ظهرت بسبب مشروع قانون ينص على ترحيل المتهمين ومحاكمتهم في الصين. والتي تطورت إلى مشادات مع الشرطة ومطالب بتنحية الرئيسة التنفيذية "كاري لام". سبقت هذه الاحتجاجات احتجاجات مماثلة عام ٢٠١٤ في رغبة من هونج كونج اختيار الرئيس التنفيذي للمدينة بشكل مباشر دون لجنة تنوب عنهم، الأمر الذي بدى كدلالة على رغبة هونج كونج للاستقلال التام عن الصين.

أما الصين فقد أشارت وزارة خارجيتها رفضها التام للتدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية، مؤكدة حفاظها على مبدأ «دولة ونظامين». جاء ذلك رداً على بيان أصدره مجلس النواب الأمريكي يقول أن « المتظاهرين يرسلون رسالة للعالم مفادها أن أحلام الحرية العدالة والديمقراطية لا يمكن أن تنطفيء أبداً بالظلم والتخويف»

الآن؛ الصين في موقف لا تحسد عليه، إذ لا تملك إلا خيارين اثنين في الوقت الحالي، إما التدخل العسكري؛ والذي سيعود بنتائج خطيرة على البلاد، سواءً من الناحية الإنسانية تجاه سكان هونج كونج، أو الاقتصادية في إطار الحرب التجارية من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي للضغط عليها ومعاقبتها اقتصاديا باستخدام ذريعتي انتهاك حقوق الانسان والعلاقات الوطيدة مع إيران.

وأما الخيار الثاني فيتمثل في التنازل لصالح المحتجين، الأمر الذي سيثير أقاليم أخرى مثل "شينجيانج"، إضافة إلى تزايد التوتر مع تايوان واحتمال حدوث تحركات في الجزء الشمالي الغربي للصين على حدود الهند بعد الأحداث الأخيرة في كشمير.

وبالرغم من ذلك فإن التنازل التدريجي هو المرجح حالياً بالنسبة للصين، لكسب الوقت والتعامل مع الوضع في هونج كونج بحكمة.


٣- أزمة كشمير

جاء تحرك الهند نحو "كشمير" بالتزامن مع نشر الصواريخ الصينية بمحاذاتها، خاصة مع وجود شراكة استراتيجية شاملة بين الصين وباكستان، حيث أثار التحرك العسكري الصيني مخاوف لدى العملاق الهندي الجار من استباق باكستان بالتوسع في إقليم "كشمير"، مستغلة الانتشار العسكري للحليف الصيني في الجزء الشمالي الغربي منها.

لا يكمن اعتبار العلاقات الأمريكية الهندية علاقات تعاون استراتيجي، فلم تعلن الهند ترحيبها ودعمها لمحاولات أمريكا نشر صواريخها في المحيط الهندي، وهو نفس رد الفعل إزاء نشر الصواريخ الصينية، فالهند كعادتها تلتزم الحياد مُركزة على مصالحها الاقليمية دون الدخول في مواجهات مع أيٍّ القوتين، رغم إعلان اتفاق تعاون استراتيجي صيني باكستاني عام ٢٠١٥.

من وجهة نظر الهند فإن استمرار الوضع على ماهو عليه في ”كشمير" يغذي الحركة الانفصالية، ويضع البلاد تحت تهديد الانقسام والإرهاب، وعليه، فقد فقام رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" يوم الخامس من أغسطس الجاري بإعلان إنهاء الوضع الخاص للجزء الهندي من "كشمير" و "جامو" وضمهما للهند بشكل كامل، مما أدى إلى موجة احتجاجات كبيرة في الإقليم. القرار الذي يعد اختراقاً لاتفاق "سيملا" الذي وقعته كلٌ من الهند وباكستان عام ١٩٧٢، والذي أكد على أن حل الوضع في الإقليم المتنازع عليه، يجب أن يتم بطرق سلمية، بعد أن خاضت الهند ثلاث حروب مع باكستان في الأعوام ١٩٤٨، ١٩٦٥،١٩٧١ وحرب مع الصين عام ١٩٦٢ والتي تسيطر تلك الأخيرة على ثلاث مناطق في الإقليم.

من جانبها؛ دعمت الصين طلب باكستان الذي تقدمت به لمجلس الأمن للاجتماع للنظر في الخطوة التي قامت بها الهند، لكن من الواضح أن الأولوية الآن لقضية هونج كونج. وعلى الجانب الآخر فيبدو واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتورط عسكرياً في قضية "كشمير" خاصة مع اقتراب انتخابات ٢٠٢٠، إذ وعد الرئيس الامريكي دونالد ترامب سابقاً بإعادة الجنود الأمريكيين من أفغانستان.


٤- الأزمة السورية

توصلت كل من الولايات المتحدة الامريكية وتركيا مؤخراً إلى قرار إنشاء منطقة آمنة شمال غرب سورية، مما يعزز التواجد الأمريكي التركي داخل البلاد، وذلك بإنشاء ما تم تسميته بـ "مركز العمليات المشترك"، الذي ستوكل إليه مهمة تنفيذ الاتفاق، وتهدف هذه الخطوة بالأساس إلى إخراج القوات الكردية من هذا الإقليم المحاذي لتركيا، أعلن على إثرها وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قد وعده بأن يكون عمق المنطقة الآمنة ٣٢ كلم.

وقد جاء هذا الاتفاق لتفادي الهجوم التركي على شمال غرب سورية، والذي أعلن عنه الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" في الأيام السابقة.

إن حصول تركيا على هذه الفرصة ستعقد الوضع أكثر في سورية، لأنها ستركز على الوحدات الكردية بالتحديد، الأمر الذي سيمثل فرصة مناسبة للجماعات الإرهابية، التي تحاول مؤخراً تقوية صفوفها وإعادة انتشارها في سورية من جديد، علاوة على أنه لم يتم تحديد وضع هذه المنطقة مستقبلاً ومتى سيتم الانسحاب منها.

في نفس السياق؛ عارض الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية الجنرال "جوزيف فوتيل" سيطرة تركيا على هذه المنطقة الحيوية، مستنداً إلى توقعات حول ردة أفعال مختلف أطراف الصراع في البلاد.

سيبدأ نشاط "مركز العمليات المشترك" في غضون أيام، في ظل رفض الأطراف المتحاربة داخل سورية لهذا التحالف الذي جاء نتيجة التصعيد الخطير بعد خرق اتفاق وقف إطلاق النار شمال غرب البلاد، والذي أدى إلي مقتل أكثر من ٥٠٠ مدني في ابريل الماضي. لكن لا يبدو أن هذه الخطوة ستأتي بنتائج سريعة، كما أنها قطعاً لا تضمن الحفاظ على سلامة المدنيين.

هناك تخوّف من زيادة خطورة الوضع أكثر في سورية بعد اتفاق طرفين كانا على خلاف منذ فترة قصيرة، حول صيرورة الوضع في البلاد، الأمر الذي جعل البعض يرى أنها مناورة أمريكية لكسب بعض الوقت، وإعادة ترتيب أولوياتها تجاه الصراع، في ظل المستجدات الدولية الراهنة في قارة آسيا عموماً والشرق الأوسط بالتحديد. إذ أن تحركات إيران نحو الصين بالتزامن مع توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة، دفع تركيا إلى اللجوء إلى هذه الاخيرة مستغلة جو المنافسة الأمريكي الصيني، وكون الصين تتفادى التدخل في شؤون دول الشرق الأوسط.


٥ - تهديد أمن الخليج العربي

يتزامن الهجوم الأخير على "عدن" و "حقل الشيبة" للبترول والغاز في السعودية بواسطة طائرات مسيرة مفخخة وصواريخ بالستية، مع طلب الولايات المتحدة بحجز ناقلة النفط الإيرانية مجدداً، اضافة الى تزايد مستوى التعاون الامريكي مع قطر التي تعد حليفة لايران في المنطقة.

جاء خطاب الرئيس الإيراني الساعي للتهدئة واعتبار أن الشأن الخليجي يخص دول الخليج، كمحاولة لقطع الطريق أمام أمريكا التي زاد انتشارها بالقرب من مناطق نفوذ إيران عسكرياً في الخليج وسوريا، ويتماشى ذلك مع الرفض الصيني للتواجد العسكري الأمريكي الذي يهدد مصالحها في اسيا.

اختارت قطر التعاون مع أمريكا بالتنسيق مع تركيا متخلية بذلك عن إيران، في مرحلة تشهد العلاقات بين طهران وواشنطن توتراً حاداً. إذ أن تزويد أمريكا لقاعدة "العُديد" العسكرية ب ١٢ مقاتلة من طراز اف ٢٢، ينصبُّ في إطار الاستعداد لأي تهديد إيراني محتمل، بالرغم من رفض إيران للتواجد العسكري الأمريكي في الخليج علانية ودعوتها للانسحاب من المنطقة.

انطلقت زيارة وزير الخارجية الإيراني "محمد ظريف" إلى الكويت لبحث آخر المستجدات الإقليمية، كما عرضت إيران ابرام اتفاقيات عدم اعتداء مع دول الخليج في إطار منظومة أمنية إقليمية لا تكون الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً فيها. لكن استمرار الدعم الايراني المباشر لمليشيا "الحوثي" لا يبين جديتها في مسعى التعاون الخليجي. كما ان الحوثيين قد كثفوا مؤخرا عمليات الهجوم على العديد من المدن اليمنية و مناطق حيوية في السعودية، في ظل الازمة الانسانية التي تشهدها البلاد ووجود عدد كبير من النازحين يتجاوز المليون.

بعيداً عن الصراعات القائمة بين جميع الأطراف، فإن فتح المجال لاستخدام أسلحة خطيرة على غرار الصواريخ المصممة لحمل رؤوس نووية لا ينذر بخير. خاصة ان الدول التي دخلت في صراعات حالياً هي دول ذات قدرات نووية عالية. من المفترض أن تدعم القوى الكبرى والتي تملك العضوية الدائمة في مجلس الأمن والسلام كذا التعاون للحد من انتشار هذا النوع الخطير من الاسلحة.

بالرغم من استبعاد حدوث هجمات عسكرية بين الدول المتنافسة في آسيا حالياً أو على المدى القريب، إلا أن حدوثه سيكون له عواقبَ وخيمة، لذا يجب العودة للتنسيق والتعاون تحت مظلة الأمم المتحدة و مجلس الأمن، كذا النظر في عقوبات مناسبة تجاه الأطراف التي تحاول جرّ أقاليم محددة نحو الصراع المسلح.



الهوامش

رويترز

سكاي نيوز العربية

90 views0 comments
bottom of page