top of page
MeryemBrahimiIcon.png

كيف يؤثر تحول ميزان القوة في الشرق الأوسط على سياسات القوى الدولية ؟

Updated: Nov 30, 2019





بنظرة سريعة على خارطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكن للمراقب ملاحظة تغير الوضع الجيوسياسي فيها، بصعود وتراجع القوى الإقليمية الموجودة، كذا التغيرات أو الاضطراب في سياسات القوى الفاعلة أو الباحثة عن فرص متاحة، وذلك من خلال محاولة استغلال وضع جيوسياسي إقليمي جديد، بسياسات مختلفة عن ما اعتمدته في الماضي. من بين هذه القوى نجد كل من الولايات المتحدة الأمريكية ،الصين، روسيا والهند. حيث تتسابق هذه الدول في التعاون أو الحياد تجاه قضايا الشرق الأوسط.




هل تتراجع قوة إيران وتركيا إقليمياً؟

تبدو الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلدين مضطربة، بسبب توالي الاحتجاجات الشعبية فيهما، بينما يعتبر الوضع في تركيا أقل حدة منه في إيران. لكن الضغط الاقصادي على الأتراك يصب في مصلحة المعارضة المناهضة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.


إيــران

توقع البنك العالمي في التاسع من أكتوبر الماضي زيادة انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة ٨.٧٪ بسبب انخفاض معدل صادرات النفط والغاز بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على قطاعات التجارة، البناء، المعادن، التعدين والبحرية والتي زادت مع انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني.

هذا الوضع الإقتصادي الهش يصعّب علي إيران الحفاظ على نفوذها الإقليمي، إذ لم تعد قادرة على تمويل وكلائها في العراق ولبنان واليمن بنفس القدر الذي كان سابقاً.


تحاول إيران الالتفاف على هذه العقوبات بإقامة معارض تجارية دولية على أراضيها لجذب فرص استثمارات أجنبية -على غرار معرض الطاقة ومعرضي كونمين وايباكس- إضافة إلى بيع النفط من خلال المزاد الأسبوعي بنسب كبيرة.

لكنّ بداية الاضطراب في كل من العراق ولبنان ومناهضة المحتجين العراقيين للاستغلال الإيراني لثروات بلادهم، مع تسرب معلومات مهمة حول الفساد السياسي في إيران وتأثيره على العراق؛ أصبح ورقة ضغط قوية على كاهل النظام داخلياً وفي مجاله الحيوي أيضاً، مما يرجح توقعاتٍ - لم تكن واردة - لجلوسها مجدداً على طاولة المفاوضات.




تـركيـا

كشفت وزارة المالية التركية منذ أيام عن أن العجز في ميزانية البلاد قد وصل إلى ٢.٥٨ مليار دولار، كما أشارت بيانات صادرة عن اتحاد البورصات التركية إلى وصول معدل غلق وتصفية الشركات التجارية في تركيا إلى ٢٠.٧٣٪ في شهر سبتمبر الماضي مقارنة بالشهر السابق.

يرى بعض المحللون أن الأمر يرتبط بحالة عدم ثقة سببها سياسة الرئيس التركي التي قد تودي إلى اضطراب الوضع الداخلي في البلاد، واعتماد أحداث حديقة جيزي واحتجاجات استخراج الذهب دليلاً على تقوية المعارضة لنفسها أكثر.

يستمر الاقتصاد التركي في الانكماش، إضافة إلى أزمة العملة التركية التي دفعته نحو الركود في ظل معدل نمو اقتصادي يكاد ينعدم، الأمر الذي انعكس على مؤشر البطالة ليقارب ١٥٪، وارتفاع مستوى التضخم ليصل إلى ١٧٪ هذه السنة.

عكفت تركيا دائماً على اللجوء للغرب في مواجهة قوى الجوار، لكنها تحاول مؤخراً أن تتجه عكس مصالح الدول الغربية بالتعاون مع روسيا سياسياً وعسكرياً.

يمكن القول أنها بذلك تعزل نفسها دولياً وإقليمياً، فبحكم الخبرة التاريخية للعلاقات بين البلدين والموسومة بعدم الثقة؛ فإن تعاونها مع روسيا لن يستمر طويلاً.

من غير المرجح أن تمثّل الصين البديل عن الغرب بالنسبة لتركيا التي تدعم الويغور في سينكيانج، ما يجعل الصين حذرة ومتحفظة بشأن الدخول في تعاون أكبر معها.


ليس في صالح تركيا حالياً استنزاف نفسها أكثر في سورية للحصول على الطاقة، فروسيا لن تترك لها مجالاً واسعاً للاستفادة من ترتيبات سياسية مناسبة في ظل قطع مصر بالتعاون مع اليونان الطريق أمام تركيا للاستحواز على غاز قبرص.

من المرجح أن تتدارك تركيا توجهات سياستها الخارجية على المدى القريب، تحديداً بعد أن ظهر بوضوح أن للقوى الإقليمية التي تعتمد عليها أولويات مختلفة، وما يؤكد احتمال ذلك هو لقاء أردوغان وترامب الأيام الماضية المتزامن مع جولة الرئيسين الروسي والمصري في الخليج، في ظل تراجع الولايات المتحدة عن قرار انسحابها من سورية.




هل تعتبر مصر والسعودية قوى إقليمية صاعدة؟


بالرغم من الجدل الذي حدث مع بداية حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلا أن سياسات التنمية التي يقوم بها ونشاطه الدبلوماسي المعتمد على سياسة خارجية متكيفة مع تحولات الوضع الدولي الراهن؛ قد أكسبت النظام شرعية أكبر، إذ يمكن الاستدلال على ذلك بعودة الإهتمام الدولي بالدور المصري إقليماً.

بالنسبة للملكة العربية السعودية فإن طرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لرؤية ٢٠٣٠، والتغيرات الهيكلية الواعدة التي تقوم بها البلاد، يجذب تركيز القوى الدولية ومختلف الخبراء والباحثين عن فرص استثمار جديدة.


مصــر

يتوقع البنك العالمي استمرار نمو الناتج المحلي في مصر ليصل إلى ٦٪ سنة ٢٠٢١، مدفوعاً بتحسن الطلب المحلي ونمو الصادرات، إضافة إلى استمرار نمو معدل الاستثمار الخاص والعام، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على النسبة العالية للدين العام في البلاد.

يتجدد الطموح المصري في إنشاء منتدى البحر الأحمر، مُحاولةً استغلال وضعها الاستراتيجي المحوري في المنطقة، لتكون عضواً أساسياً في تحديد وتوجيه السياسة العامة للمنتدى.

تهتم مصر بتطوير علاقاتها أكثر مع كل من روسيا والصين، حيث تسعى روسيا لضم مصر للاتحاد الإقتصادي الاوراسي، إضافة إلى الرغبة في إقامة منطقة صناعية روسية على قناة السويس.

تدرك مصر أولوية تعدد الشركاء الاستراتيجيين من خلال تعاونها مع كل من الصين وروسيا، حيث تعد الصين القوة الثانية اقتصادياً على مستوى العالم، وحياد مصر تجاه الشؤون الداخلية للدول يكسبها ثقة المتعاونين. زادت قوة العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين من خلال إنشاء غرفة التجارة المصرية الصينية، باعتبار الصين من أوائل الدول التي هنأت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتوليه الحكم، بعيداً عن التدخل في توجهات مصر الداخلية والإقليمية ودعمها أيضاً للجينرال خليفة حفتر في ليبيا.


كما أن الإتفاق المصري الروسي حول الأطر العامة للتحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - خاصة الوضع في سورية ودعم روسيا لحفتر عسكرياً - شجع البلدين للمضي قدماً في تعاونهما علي مختلف المستويات، فقد وقع البلدان اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما في أكتوبر ٢٠١٨، والذي مباشرة القيام بمناورات عسكرية بين جيشيهما تحت مسمى حماة الصداقة.

إن تحسن العلاقات المصرية مع كل من روسيا والصين لا يعني تدهور العلاقات مع أمريكا، فالولايات المتحدة تدعم توجهات مصر فيما يتعلق بالوضع في ليبيا بدعم قوات الجيش الوطني الليبي على سبيل المثال. كما رحبت باستضافة اللقاء بين وزراء خارجية كل من مصر، السودان واثيوبيا، لمناقشة الصراع القائم حول مياه النيل بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.



السعودية

إن تخفيض السعودية لحصتها من إنتاج النفط بالإتفاق مع منظمة الأوبك، أدى إلى انخفاض معدل النمو الإقتصادي من ٢.٤ سنة ٢٠١٨ ليصل إلى ١.٧ هذه السنة، لكن يتوقع البنك العالمي ارتفاعاً تدريجياً للنمو ليصل إلى ٢.٢ سنة ٢٠٢١.

تحاول السعودية تنويع صادراتها خارج نطاق الطاقة، لذا فإنها تركز على البحث عن شركاء اقتصاديين متنوعين، على غرار الهند والصين إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوربي.

تعتبر السعودية دولة مهمة في مشروع الحزام والطريق الصيني الذي تضخ فيه الصين مبالغ ضخمة للوصول لمصادر الطاقة، من خلال مشروع إنشاء خط سكك الحديد الذي يصل بين البلدين. ومع ترؤسِها للقمة القادمة لمجموعة العشرين سنة ٢٠٢٠ سيجعلها ذلك محط أنظار المستثمرين، ويمنحها الفرصة للتعريف أكثر بالإصلاحات الهيكلية التي تقوم بها البلاد في إطار رؤية السعودية ٢٠٣٠.

تتعاون السعودية عسكرياً مع كل من روسيا، الصين، الهند والولايات المتحدة الأمريكية، ما جعلها تملك فرصاً أكبر للحصول على قوة عسكرية أكثر تطوراً مستقبلاً.


شهدت العلاقات المصرية السعودية تعاوناً مهماً على مختلف المجالات، وباعتبار الأهمية الاقتصادية العسكرية والجيوستراتيجية للبلدين، فإن تعاونهما كقوتين إقليميتين يجذب مختلف الفاعليين الدولين .

انعكس هذا التعاون والاستقرار في كل من مصر والسعودية على إيران بشكل مباشر، وذلك من خلال انخفاض مستوى أهميتها الاستراتيجية، لكسب تأييد دولي صريح، وخاصة روسيا والصين تجاه العقوبات الأمريكية.

تحدث هذه التجاذبات في إطار تغير الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط، والذي من المرتقب أن يستمر في التطور، خاصة إذا تم الاتفاق على إنشاء منتدى فعال في البحر الأحمر يشمل السعودية.



سياسات الدول الباحثة عن فرص في الشرق الاوسط


الهــنـد

أدى ضغط الحزب الحاكم في الهند على رئيس الوزراء إلى قرار عدم التوقيع على اتفاق الانضمام إلى الشراكة الاقتصادية الشاملة -التي تضم دول الآسيان إضافة إلى الصين، اليابان كوريا الجنوبية استراليا ونيوزيلاندا- مؤخراً والذي بدأت لمفاوضات حوله منذ سنة ٢٠١٢. يعود هذا القرار بالأساس إلى رفض اقتراحات الهند التي تسعى من خلالها لحماية منتجاتها المحلية من المنافسة الأجنبية. ووصول حجم العجز التجاري للبلاد إلى أعلى مستوياته ليبلغ ٥٣ مليار دولار، الذي يعود بالأساس إلى انخفاض أسعار السلع الصينية واتفاقيات التجارة الحرة مع كل من اليابان كوريا الجنوبية ودول الآسيان، في ظل وجود منتجات هندية أقل تنافسية.


بدأت الهند في توجيه تركيزها نحو إيجاد أسواق جديدة لمنتجاتها، وجذب رأس المال الأجنبي لدعم الاستثمار في البلاد، وهو مايبرر تحركاتها الأخيرة نحو الشرق الأوسط تحديداً السعودية، للبحث عن مكانة في وضع جيوسياسي واقتصادي يمثل فرصة استثنائية.


الصين

يبدو أن الصين تعود أكثر لسياسة الحياد فيما يتعلق بشوون الشرق الأوسط ، يمكن ربط ذلك بتركيزها على الوصول لحل لما عُرف بالحرب التجارية، وإعادة النظر في انخفاض النمو الإقتصادي ومعدل التجارة الخارجية للبلاد. فالتورط في قضايا على غرار القضية الإيرانية والوضع في العراق، سورية ولبنان، لن يكون في صالحها في جميع الأحوال، فالحفاظ على صورة البلد المحايد تبدو ذات أولوية أكبر للصين، كونها لن تحاول استمالة طرف محدد، فتفضل استمرار العلاقات العادية دون كسب أصدقاء موالين حسب الوضع الراهن.

تطورت العلاقات الصينية المصرية والصينية السعودية أكثر بسبب حياد الصين تجاه قضايا المنطقة، وتأكيدها الدائم على احترام سيادة الدول، الأمر الذي يخفف الضغوط على الأنظمة السياسية، عكس التوجهات التدخلية الأمريكية الدائمة.



التحركات الروسية

تحاول روسيا الإستفادة من الوضع المتغير وتركز على تحسين علاقاتها مع دول الخليج دون خسارة حلفائها، وإيجاد مكانة عسكرية واضحة لها في سورية. فتبدو كدولة باحثة عن التوازن لا تسعى لخلق المشاكل بل تبحث عن حلول، على عكس الولايات المتحدة التي تقوم بخلق مشاكل لتقوية نفوذها.

تحاول روسيا أن تبني نوعاً جديداً من السياسة الخارجية على عكس توجهاتها السابقة، لتبدو غير ساعية للهيمنة أو السيطرة، بل إنها تتوافق مع الصين في البحث عن الفوز المشترك، وهي سياسة ترفع مستوى الثقة، تجذب الأصدقاء وتعزل المنافسين. من شان هذا النوع من السياسة أن يفتح المجال أكثر أمام الاستثمار الأجنبي، في ظل الازمة الاقتصادية التي تشهدها روسيا والبحث الجاد عن حلول عقلانية.



الدور الامريكي

تحاول الولايات المتحدة حالياً المضي في سياسة الإنسحاب التكتيكي في الشرق الأوسط، بسبب قرب الانتخابات الرئاسية ولتهدئة الوضع مع الصين، والتركيز على تحركات إيران في ظل الاضطرابات في كل من لبنان والعراق.

تستمر السياسة الخارجية الأمريكية على نفس المسار بالرغم من تأثرها بردود الفعل السريعة غير المحسوبة للرئيس الأمريكي في تصريحاته، فتتجاوز في أجنداتها التنفيذية تصريحات ترامب. والدليل على ذلك عودة أمريكا عن قرار انسحابها من سورية، وفتح المجال للبحث عن حل لمشكلة دول حوض النيل اثوبيا السودان ومصر. حيث استضافت ممثلي هذه الدول لقيام بيدور الوسيط، ومناقشة الجميع حول الاولويات والاسباب وتم وضع جدول زمني محدد لحل هذه الازمة.

دعمت الولايات المتحدة توجهات مصر فيما يتعلق بالوضع في ليبيا، بالرغم من أنها لا تبدي اهتماماً واضحاً بشأن مستقبل شمال افريقيا. والذي يربطه المحللون دائما بمحاولة تخفيف أعباء التدخل في القضايا الشائكة التي تستنزف الخزينة الأمريكية.



الاتحاد الاوربي

هناك أجندات داخلية لدول الاتحاد الأوربي، تجعل موقفها ضعيفاً ومتخبطاً حيال اختيار طرفٍ يجب دعمه في الشرق الأوسط، فلا يبدو أن هناك اتفاق في السياسات الخارجية لدول الاتحاد، فعلى سبيل المثال تحاول فرنسا الظهور بمظهر الدولة المحورية، من خلال تصريحات الرئيس الفرنسي حول استعادة اوربا لدورها التاريخي وضعف حلف الناتو، لكن وضع الاقتصاد الفرنسي لا يسمح باي مغامرات اتباع سياسات تدخلية في الوقت الراهن.

ما أن صرحت بريطانيا عن نيتها الخروج من الإتحاد؛ حتى بدأ الخلل في التوازن يظهر بين دُولِه أكثر، في ظل وجود دول غير فاعلة سياسياً وتواجه مشاكل اقتصادية، أصبحت عبئاً على الاتحاد كإيطاليا واليونان.

تكتفي دول الإتحاد بالحديث عن الأوضاع الإنسانية في الشرق الأوسط، دون اتخاذ أي خطوة عملية في هذا الإطار، فتوافق روسيا في بعض التصريحات وتوافق أمريكا في أخرى. لكن مايبرز جلياً أنها تبحث عن حلول لمشاكلها الاقتصادية ولا تريد أن تستنزف أكثر.



النتيجة

سيظل الشرق الأوسط دائمًا محورًا أساسيًا في السياسة الدولية، تراهن عليه القوى الدولية الكبرى، لموقعه الإستراتيجي والتغيرات الجيوسياسية المستمرة فيه. فتحاول تلك القوى حالياً تجاوز الخلافات السياسية من أجل الأطماح الإقتصادية والإستراتيجية المرتقبة، فيبدو أن تعاون تلك القوى مع كل من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية كقوى إقليمية صاعدة يكتسب أهمية كبيرة.

إن تطور العلاقات التركية الروسية يظهر نوعاً جديداً من العلاقات المؤقتة رغم العداء التاريخي، وهذا يناقض فكرة التحالفات والتكتلات الكبرى على غرار الإتحاد الأوربي وحلف الناتو.

من خلال التركيز على التحركات الدولية في الشرق الأوسط، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، الصين وروسيا، يمكن القول أنها مرتبطة أساساً بتحولات النظام الدولي، في إطار عودة ما يعرف بمناطق النفوذ على مستوى التخطيط الجيوستراتيجي للقوى الدولية.



مريم براهيمي



169 views0 comments
bottom of page