top of page
MeryemBrahimiIcon.png

أولويات سياسة الهند الإقليمية في ظل تغير الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط



تبحث الهند عن مكانة أهم في الترتيبات الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط تزامناً مع الاضطراب في كل من لبنان والعراق، والذي بدأ يمتد نحو الداخل الإيراني، لتبرز السعودية كطرفٍ قوي لمكاسب اقتصادية واستراتيجية كبيرة مستقبلاً.

منذ تولي "ناريندا مودي" رئاسة الوزراء في الهند سنة ٢٠١٤، بدأ في تنفيذ سياسة شراكة إقليمية واسعة مع دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مركزاً على جذب الاستثمار والتعاون الأمني. في نفس الوقت بدأت العلاقات الهندية الإيرانية بالفتور، إضافة إلى التخوف من العقوبات الأمريكية المحتملة على الأطراف المتعاونة مع إيران، بالتزامن مع تطور العلاقات الهندية الأمريكية مقابل توتر العلاقات الأمريكية الصينية بسبب الحرب التجارية، الأمر الذي أدى بأمريكا لتجاوز لقضية ضم الهند للجزء التابع لها من كشمير وجامو.


كسب ود السعودية

تعتبر العلاقات الاقتصادية بين الهند والسعودية مهمة بالإشارة إلى كون السعودية المورد الثاني للطاقة للهند، حيث وصل حجم التجارة الثنائية بينهما هذه السنة إلى ٣٤.٠٣ مليار دولار بزيادة تقدر ب ٢٣.٨٣٪ عن السنة السابقة، كما يقدر حجم العمالة الهندية في السعودية ب٢.٧ مليون هندي.


ولي العهد السعودي أشار خلال زيارته لنيودلهي عن فرص استثمار ١٠٠ مليار دولار في الهند خلال عامين، في قطاعات متنوعة ليس فقط البيتروكيماويات بل امتدت لتشمل الزراعة، البنية التحتية والتعدين، في إطار سياسة شاملة تقوم بها السعودية لتنويع قطاعات الاستثمار الخارجي والصادرات.

لكن لا تزال الطاقة هي المحرك الأساسي للعلاقات الاقتصادية السعودية الهندية، بالاشارة إلى صفقة شركة ريلاينس اندستريز للبيتروكيماويات الهندية وأرامكو السعودية بقيمة ٧٥ مليار دولار؛ والتي تعد من أكبر صفقات الاستثمار الاجنبي المباشر في البلاد.

تم الاتفاق على إنشاء مجلس شراكة استراتيجية، كآلية تنسيق رفيعة المستوى تجتمع بشكل دائم، خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي الأخيرة للرياض، زيادة على الاتفاق على ١٢ مذكرة تفاهم في العديد من المجالات منها الصناعات العسكرية، الأمن، الطاقة المتجددة والطيران المدني، بالاضافة إلى التوقيع على اتفاقية بين شركة الاحتياطات الاستراتيجية الهندية وأرامكو السعودية لإنشاء لمرفق ثان لإحتياطي الوقود في كارناتاكا جنوب الهند.


تحاول السعودية تنويع صادراتها خارج نطاق الطاقة، انطلاقاً من خطة طويلة المدى تحمل عنوان "رؤية السعودية٢٠٣٠"، تركز على تنويع مصادر الناتج الداخلي وتنويع صادراتها، فتسعى الهند لاستغلال فرصة التحرك السعودي الجاد نحو التغيير والتطوير الاقتصادي لبناء تعاون استراتيجي شامل معها.


تأثر إيران بالاحتجاجات في العراق

تشير التغيرات المرتقبة في العراق إلى أن الأحداث ستضعف الداخل الإيراني، وعليه هناك العديد من التوازنات التي ستتغير في الشرق الأوسط، فالأحرى بالقوى الإقليمية الآسيوية على غرار الهند والصين أن تجد مكاناً لها في محور مستقر، إذ أعلنت بعض الشركات الصينية إيقاف عقودها مع المؤسسات الرسمية الإيرانية خوفا من العقوبات الامريكية.


تبرز السعودية كدولة محورية في التوازنات المرتقبة مستقبلاً بعد توقف الاحتجاجات المناهضة لإيران في العراق، وعودته لإقليم الخليج، الذي سينعكس بتعاون سعودي عراقي على مختلف المستويات. فالعراق بلد غني من حيث موارد الطاقة، يمثل أول مورد للنفط للهند، كما تهتم الصين بالنفط العراقي وإعادة الإعمار في البلاد منذ سنة ٢٠٠٣.


يتميز العراق بموقع استراتيجي حيوي في غرب آسيا، فاستقراره وعودته للمجال الخليجي سيجذب فرص استثمار استثنائية، تتطلب استباق البحث عن طرق مناسبة للنفوذ إليها في إطار وضع جيوسياسي جديد.


المنافسة الهندية الصينية

لا يبدو أن الصين ستحاول عرقلة الخطة الهندية للتوجه نحو الشرق الأوسط، حيث يتفق البلدان في العديد من أولويات السياسة الخارجية لهما، خاصة ملف محاربة الإرهاب والتطرف، وهو من أهم البنود التي تركز عليها الشراكة الاستراتيجية السعودية الهندية للتعاون الأمني، حيث دخلت الهند في مواجهات مع جماعات مسلحة بعد استهدافهم للبرلمان الهندي سنة ٢٠٠١ إضافة إلى العديد من الهجمات المتفرقة التي ترى الهند أنها مرتبطة بنفس الجماعة الإرهابية ونفس الشخصيات القيادية المتواجدة في الجزء الباكستاني من كشمير، ثم العملي الخطيرة في بولفاما الواقعة في الجزء الهندي من كشميرالتي راح ضحيتها ٤٠ جندي هندي. في نفس الإطار تحاول الصين مراقبة تحرك متطرفين من الايغور في سيتكيانج نحو مناطق تواجد داعش والقاعدة، وإمكانية تهديدهم لاستقرار الإقليم التابع لها والذي يشهد حركة انفصالية مناهضة للبلاد.


تعتبر السعودية دولة مهمة في مشروع الحزام والطريق الصيني الذي تضخ فيه الصين مبالغ ضخمة للوصول لمصادر الطاقة، من خلال مشروع إنشاء خط سكك الحديد الذي يصل الصين بالسعودية. لكن على مستوى الطلب على الطاقة من المرجح أن تتفوق الهند على الصين كقوة دافعة رئيسية لنمو الطلب العالمي على النفط سنة ٢٠٢٤، مايشير إلى استمرار أهميتها كمستوردٍ عالي الطلب.

بالرغم من الإشكاليات المتعددة بين الهند والصين إلا أنهما تتبعان استراتيجيات متشابهة تتلاقـي في العديد من المرتكزات.


فالتوجه الصيني الهندي نحو اسيا الوسطى، الخليج وقضية الحرب على الإرهاب في آسيا، يدخل ضمن سياسات تخدم مصالح القوتين الإقليمتين بشكل كبير، في ظل عودة أولوية الدولة القومية كفاعل أساسي على مستوى الاقتصاد الدولي والعلاقات الدولية عموماً.



النتيجة

إن الاهتمام الكبير مؤخراً بالسعودية يدل على تغير عميق في السياسة الخارجية الهندية وأولوياتها المستقبلية، لبناء روابط وثيقة مع دول الخليج التي تتوافق معها في التوجهات، إذ لم تدعم السعودية باكستان في محاولة تدويل قضية كشمير، وكان احتمال حدوث ذلك تاثير كبير على مجريات النقاش الدولي حول هذه القضية. اخيرا يمكننا القول أنه، بالرغم من بروز التعاون التكتيكي المؤقت مؤخراً بين القوى الإقليمية المتنافسة على الساحة الدولية، إلا أن هذه القوى تستمر في سعيها الدائم لإقامة علاقات مستقرة في إطار سياساتٍ طويلة المدى.

62 views0 comments
bottom of page