top of page
MeryemBrahimiIcon.png

توازن علاقات الخليج مع الصين والولايات المتحدة الأمريكية في ظل الحرب التجارية



يستمر اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي في النمو داخلياً مع التركيز أيضاً على الاستثمار الأجنبي في أهم المناطق الجاذبة للاستثمار عالمياً، إذ جاء في تقرير الاستثمار٢٠١٩ للاونكتاد UNCTAD، أن آسيا الغربية قد حققت قفزة تاريخية في مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر، ليصل إلى ٤٩مليار دولار عام ٢٠١٨.


وأعزى التقرير تلك القفزة بالأساس إلى استثمارات المملكة العربية السعودية التي وصلت إلى ٢١ مليار دولار، تليها الإمارات العربية المتحدة وتركيا. كما أشاد البنك العالمي من خلال تقريره الصادر في مايو ٢٠١٩ حول واقع الاقتصاد الخليجي، مشيراً إلى استمرار النمو الاقتصادي والتنمية في شتى المجالات على مستوى دول المجلس.

دول مجلس التعاون الخليجي تمضيّ قدُماً في استراتيجيات التنمية الخاصة بها على غرار الإمارات ٢٠٢١، رؤية السعودية ٢٠٣٠ ،خطة التنمية الكويتية ٢٠٣٥، رؤية عمان ٢٠٤٠ ،وكذلك التمنية في قطر. لكنّ وجود اضطرابات على مستوى الاقتصاد الدولي - بسبب الحرب التجارية الأمريكية الصينية التي زادت حدة هذه الايام بالتهديد الأمريكي برفع التعريفات الجمركية إلى ٣٠٪ على السلع الصينية والانخفاض التاريخي لسعر صرف اليوان الصيني - ينذر بنتائج سلبية ذات تأثير قويّ على الاقتصاديات الناشئة والمتقدمة على حد سواء.

لذا، فإن من المهم فهم مدى تأثر دول مجلس التعاون الخليجي بالصراع التجاري بين هم شريكين اقتصاديين للخليج وطرح التساول التالي:


كيف توازن دول الخليج علاقاتها بين الصين وامريكا في ظل الحرب التجارية دون تاثر مصالحها الاقتصادية؟



١- أسباب الحرب التجارية


طلبت الولايات المتحدة من الصين تعديلات جوهرية في نظامها الاقتصادي وسياستها التصنيعية، كأن تقوم الصين برفع الدعم على الصادرات، ورفع قيمة عملتها، وتزويد الشركات الأجنبية العاملة على أراضيها بالتكنولوجيا الصينية.


تنقسم أسباب الحرب التجارية الأمريكية-الصينية إلى سياسية عسكرية وأخرى اقتصادية

ترتبط الأسباب السياسية بالانتخابات الرئاسية القادمة ٢٠٢٠ مع فشل الرئيس الأمريكي "ترامب" لحد الآن في الوفاء بوعود توفير فرص عمل جديدة؛ تلك التي أكد عليها خلال حملته الانتخابية عام ٢٠١٦ وجدد التأكيد عليها في الانتخابات النصفية لعام ٢٠١٨، مستخدماً ورقة الحرب التجارية مع الصين في الحملة الانتخابية للحصول على أصواتٍ أكثر لممثلي الحزب الجمهوري.


أما عسكرياً فإن محاولات الولايات المتحدة لزيادة انتشارها في آسيا وتخوفها من تنامي قوة الردع الصينية - والتي ترى أنها تهدد مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة - تستوجب التحرك الأمريكي الجاد كقوة عالمية للحفاظ على التوازنات الدولية القائمة.


اقتصادياً؛ فإن الأسباب تعود إلى حالة الركود والعجز التجاري الأمريكي (خاصة مع الصين التي تمثل نسبة ٤٦٪من مجمل العجز التجاري الأمريكي) كما أن تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وانخفاض الطلب على السلع عالمياً قد انعكس بشكل ملحوظ على انخفاض اليوان، الأمر الذي أثر تباعاً على الطلب على السلع الامريكية، لذا، ترى الولايات المتحدة أن عدم التوازن في المبادلات التجارية مع الصين وتخفيض العملة أمر متعمّد، يسير وفقاً لسياسة صينية ممنهجة على مستوى الاقتصاد الدولي ككل.



٢- انعكاسات الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي


يتجه الاقتصاد العالمي نحو الفوضى بسبب اتخاذ إجراءات منفردة لتعديل التعريفات الجمركية من طرف الولايات المتحدة الامريكية على السلع الصينية، متهمة الصين بتعمّد تخفيض سعر صرف عملتها، دون اللجوء إلى التحكيم الدولي أو بالأحرى منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، وعليه؛ تركز الولايات المتحدة على إشكالية اللاعدالة في المعاملات الاقتصادية بين البلدين، إذ لايوجد توازن بين صادرات الصين إلى أمريكا ووارداتها إضافة إلى قضية حقوق الملكية الفكرية، في حين ترى الصين أن أمريكا لا تحترم سيادتها وتحاول التحكم في اقتصادها وخططها الاستراتيجية.


يحذر تقرير صندوق النقد العربي الصادر في إبريل ٢٠١٩ من تراكم المديونيات العامة والخاصة عالمياً بالتوازي مع تزايد حدة التوترات التجارية، مؤكداً على أن انخفاض معدل نمو التجارة الدولية (٣.٨٪ عام ٢٠١٨ مقابل ٥.٨٪ العام السابق) يرتبط أساساً بانخفاض معدل نمو نشاط النقل البحري لإقل من ٣٪، والذي تعتمد عليه ٨٠٪ من تجارة السلع الدولية، وذلك بسبب انخفاض الطلب العالمي الذي يعتبر مظهراً من مظاهر الحرب التجارية الأمريكية الصينية.

إن استمرار الضغط من الطرفين بشكل متعدد المستويات يهدد الاستقرار والأمن العالمي خاصة في آسيا، من خلال إثارة هذه المنافسة لموجة من الاضطراب وعدم الاستقرار على المستوى العالمي. حيث يؤكد بعض محللون أن هذه الحرب التجارية تعجّل دخول الاقتصاد العالمي في أزمة اقتصادية حادة بسبب الركود، تزايد المديونية، واستمرار انخفاض أسعار النفط.


إن فرض الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" للعقوبات من خلال التعريفات الجمركية على الواردات من الصين والضغط على الشركات الأمريكية والحلفاء، يمثل تهديداً لاستقرار الاقتصاد الدولي، ويفتح المجال لدول أخرى لتقليد هذا النموذج، ما قد ينجم عنه فوضى إذا ما تجاوزت الدول التحكيم الدولي وقواعد ومحددات التعريفة الجمركية، كما أن استمرار انخفاض قيمة "اليوان الصيني" سيؤثر على اقتصاد الصين نفسها على المدى القريب بسبب تزايد أسعار الطاقة والمواد الخام عالمياً والتي تعتمد عليها الصين في إنتاجها والتي لم تجد لها بديلاً لحد الآن، حيث يعتبر الاستثمار المباشر في أفريقيا مفيداً في هذا الإطار لكنه لا يزال محدود الحجم.


يزيد انخفاض "اليوان" من الطلب على صادرات السلع الصينية ويخفض معدل وارداتها، مما سينعكس على بقية الاقتصاديات في العالم خاصة الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على تنافسية الأسعار في تصدير منتوجاتها، علي غرار "فيتنام"، "اندونيسيا"، و"بنغلاديش"، تلك الدول التي تعتمد بالأساس على صناعة الأحذية والنسيج. كما أن "الهند" قد تتأثر بشكل كبير إذا لم تحد من حجم وارداتها، فإن المنتجين الهنود لن يتمكنوا من منافسة السلعة الصينية إذا ما أصبحت أسعارها أكثر انخفاضاً.




٣- العلاقات الخليجية الصينية في ظل الحرب التجارية


تشكل نسبة المبادلات التجارية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته ١٥.١٪ من إجمالي المبادلات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي التي لها أهمية كبرى بالنسبة لمشروع "الحزام والطريق الصيني"، كونها مركزاً جاذباً لرأس المال والاستثمار الأجنبي، إضافة إلى التطور المستمر للبنية التحتية والاستقرار المجتمعي.

لم تتخوّف الدول الخليجية من دور إيران في هذه المبادرة إذ من خلال خبرتها التاريخية مع الصين وعلاقتها التعاونية مع الخليج تدرك هذه الدول أن الصين لن تدعم إيران في تهديد أمن المنطقة، لسعيها الدائم لدعم الاستقرار التعاون، وهو ماتهدف إليه دول الخليج.


تعد هذه المبادرة إضافة مهمة لخطط التنويع الاقتصادي الخليجية وأيضاً فرصة لتعدد شركاء الخليج الاقتصاديين الرامي إلى تجنب وضع التقيد بشركاء محددين لتفادي إضعاف الاقتصاد والاستقرار الخليجي إذا ما حدث اختلاف مع أحد الشركاء.

جديرٌ بالذكر أنه من بين سبع دول عربية شاركت في تأسيس "البنك الآسياوي للاستثمار في البنية التحتية"، أربع دول منها خليجية وهي الإمارات العربية المتحدة، السعودية، قطر وعمان.


ويتوافق مشروع "الحزام والطريق" مع رؤية السعودية ٢٠٣٠ والكويت ٢٠٣٥ الامارات ٢٠٢١، رؤية عمان ٢٠٤٠والتمنية في قطر. وتولي عمان اهتماماً بالاستثمار في مشروع "كوادر" في باكستان، إضافة الى مشروع "الدقم" الذي بدأت الصين في تنفيذه على الأراضي العمانية، لإنشاء منطقة صناعية في الاقليم، حيث ضخت الصين رسمياً ٣ مليار دولار فيه. وفي سياق موازٍ؛ فإن هناك طرحٌ لإنشاء خط سكك حديدية يربط بين الصين والسعودية ومناطق اقتصادية في الإمارات والسعودية، إضافة إلى اتفاق تبادل العملة مع الامارات.





٤- العلاقات الخليجية الامريكية في ظل الحرب التجارية


تكسب منطقة الخليج أهمية استراتيجية حيوية لأمريكا لعدة أسباب ترتكز في الموقع الجغرفي القريب من الصين، تركيا وإيران، النفط، مضيق هرمز ومناطق نشاط الجماعات الإرهابية المتواجدة في العراق وسورية، والتي تحركت نحو اليمن لاستغلال الازمة في البلاد.

تمثل الولايات المتحدة حليفاً مهماً لدول الخليج في مواجهة التهديد الإيراني المتزايد لأمن واستقرار المنطقة، إذ تحاول دول الخليج تفادي خسائر اقتصادية تستنزفها في مواجهة التهديد الإيراني، في حين أن المواطن الخليجي أولى بهذه الموارد، لذا وجدت أن الولايات المتحدة كشريك اقتصادي واستراتيجي مهم لدول الخليج يمكن التعاون معه في هذا الإطار.


تمتلك الدول الخليجية أكبر احتياطي نفط على مستوى العالم، إضافة إلى القدرة والفعالية في الإنتاج، أما بالنسبة لأهمية "مضيق هرمز" فإن ٤٠٪ من صادرات النفط للعالم تمر عبره، إضافة لكونه منفذاً استراتيجياً عالمياً.


تقدر المبادلات التجارية بين كل من الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي ب ٢٠٣ مليار درهم، مشكلة بذلك نسبة ٨.٤٪ من إجمالي المبادلات التجارية العالمية لدول المجلس، مسجلة انخفاضاً كبيراً في معدل العجز التجاري مع الولايات المتحدة بنسبة ٣٥.٩٪ . من الجدير بالذكر أنه قد تم إقامة شراكة اقتصادية في ظل اتفاقية التعاون الاقتصادي التي تم الاتفاق عليها خلال تأسيس "منتدى التعاون الاستراتيجي الامريكي الخليجي" سنة ٢٠١٢، ليتم إقامة العديد من المنتديات الاقتصادية المشتركة بعد ذلك.


وفقا لماسبق، فإن أي تهديد لدول الخليج سيعد تهديداً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.



٥- انعكاسات الحرب التجارية على دول الخليج


يشير التقرير الأخير لـ "صندوق النقد العربي" إلى أن تأثير الحرب التجارية على الاقتصاديات العربية عموماً يعد محدوداً، خاصة مع اتفاق دول "الاوبك" والمنتجين الأساسيين خارج المنظمة على تمديد اتفاق خفض الإنتاج بنحو١.٢مليون برميل مع بداية ٢٠١٩، الذي جنب الدول النفطية خسائر كبيرة كانت مرتقبة لو حدث هبوط حاد في أسعار البترول بسبب انخفاض الطلب في وجود عرض كبير.

يعتبر الخليج العربي المصدر الأول للنفط في العالم، تعتمد عليه العديد من القوى الدولية لتزويدها بالطاقة على غرار الهند، الصين، سنغافورة،الاتحاد الاوربي، كوريا الجنوبية وتركيا. لكن خلال حالة الركود ينخفض الطلب على النفط فتنخفض أسعاره ومعدلات الصادرات بالنسبة لهذه الدول. وهو الأمر الذي حدث فعلياً بتباطوء نمو الطلب العالمي على النفط، الامر الذي لم يشهده العالم منذ سنة ٢٠٠٨.

يبدو التاثير لحد الآن محدوداً بالنسبة للخليج، بسبب الانخفاض الموازي لأسعار السلع الصينية مع انخفاض سعر صرف "اليوان الصيني"، وتعتبر الإمارات الأقل تاثرا بهذه الحرب بسبب تنويع اقتصادها الذي بدأت به منذ فترة طويلة.


من المستبعد أن تفرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على الدول الخليجية بسبب علاقاتها الوثيقة مع الصين وذلك لوجود استثمارات خليجية تقدر بمئات المليارات.


لا يوجد تغير يذكر في توجه العلاقات التعاونية بين دول الخليج وكل من الصين والولايات المتحدة، حيث تستمر علاقاتها بنفس الوتيرة وبشكل محايد متجاوزين الدخول في أي مزايدات مع أحد الطرفين، رغم التاثير المحدود لهذه الحرب على اقتصاد المنطقة.


في مقارنة سريعة من خلال بعض المؤشرات الاقتصادية يمكن القول أن على الخليج أن يعطي التعاون الاقتصادي مع الصين الأولوية، لكن ذلك غير صحيح، فللعلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة الامريكية أهميتها بالنسبة للخليج أيضاً، لأن الاقتصاد يعتمد أيضا على المصالح الاستراتيجية، كما ان طبيعة العلاقات الدولية الحالية لا تمكن أي طرف من المفاضلة بين أحد طرفي الحرب التجارية، في حجم الخسائر المترتبة على الجميع، لان النظام الدولي والنظام الاقتصادي العالمي يحكمه مايعرف بالاعتماد المتبادل فلا يمكن دعم قوة دولية بشكل كامل ضد أخرى.


إن التعاون والشراكة الاقتصادية والاستراتيجية عموماً لا تعني التبعية والولاء، فإذا كان للطرفين إشكاليات فيما بينهما فإن الدول الخليجية لا تملك مصلحة في تبني قضايا أحد الطرفين، وهذا أمر لاجدال فيه بالنسبة للدول التي تحترم سيادتها، وتسعى لتحقيق مصالحها في جو يتسم بالتعاون.


من الجدير بالذكر أن الاستقرار ينجم عن التنسيق والتعاون الذي يجذب رأس المال والاستثمار، لذا فإنه من المهم لجميع الأطراف التفاوض للوصول إلى حلول مناسبة على المدى القريب، فالحرب التجارية لا تبدو ذات فائدة لاي منهما، بالعكس كلا البلدين تعرض اقتصادهما لخسائر ملحوظة.

في الاخير يمكن القول بأن التحسن في العلاقات التجارية الأمريكية الصينية سينعكس بشكل إيجابي على دول الخليج بإخراج النظام الاقتصادي من حالة الركود.

101 views0 comments
bottom of page